فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}.
قال ابن عباس يريد الذين يتجبرون على عبادي ويحاربون أوليائي سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها حتى لا يؤمنوا بي عقوبة بحرمان الهداية لعنادهم الحق.
وقال سفيان بن عيينة: سأمنعهم فهم القرآن وقيل معناه سأصرفهم عن التفكير في خلق السموات والأرض وما فيهما من الآيات والعبر وقيل حكم الآية لأهل مصر خاصة وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى لموسى والأكثرون على أن الآية فيه دليل لمذهب أهل السنة على أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويصرف عن آياته ويقبل الحق من يشاء ويوفق بالتفكر في آياته وقبول الحق من يشاء لأنه القادر على ما يشاء {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} ومعنى الذين يتكبرون الذين يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم والتكبر على هذه الصفة لا يكون إلا لله لأنه هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد سواه فالتكبر في حق الله صفة مدح وفي حق المخلوقين صفة ذم لأنه تكبر بما ليس له ولا يستحقه وقيل التكبر إظهار كبر النفس على غيرها فهو صفة ذم في حق جميع العباد وقوله يتكبرون من الكبر لا من التكبر أن يفتعلون التكبر ويرون أنهم أفضل من غيرهم فلذلك قال يتكبرون في الأرض بغير الحق بل بالباطل {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد} يعني طريق الحق والهدى والسداد والصواب {لا يتخذوه سبيلًا} يعني لا يختاروه لأنفسهم طريقًا يسلكونه إلى الهداية {وإن يروا سبيل الغي} يعني طريق الضلال {يتخذوه سبيلًا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} يعني ذلك اختاروه لأنفسهم من ترك الرشد واتباع الغي بسبب أنهم كذبوا بآيات الله الدالة على توحيده {وكانوا عنها غافلين} يعني عن التفكر فيها والاتعاظ بها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}.
لما ذكر {سأوريكم دار الفاسقين} ذكر ما يفعل بهم تعالى من صرفه إياهم عن آياته لفسقهم وخروجهم عن طورهم إلى وصف ليس لهم ثم ذكر تعالى من أحوالهم ما استحقّوا به اسم الفسق، قال ابن جبير سأصرفهم عن الاعتبار والاستدلال بالدلائل والآيات على هذه المعجزات وبدائع المخلوقات، وقال قتادة: سأصدّهم عن الإعراض والطّعن والتحريف والتبديل والتغيير فالآيات القرآن فإنه مختص بصونه عن ذلك، وقال سفيان بن عيينة سأمنعهم من تدبرها ونظرها النظر الصحيح المؤدّي إلى الحقّ، وقال الزجاج: أجعل جزاءهم سأصرفهم عن دفع الانتقام أي إذا أصابتهم عقوبة لم يدفعها عنهم فالآيات على هذا ما حلّ بهم من المثلات التي صاروا بها مثلة وعبرة وعلى هذه الأقوال يكون {الذين يتكّبرون} عام أي كل من قام به هذا الوصف، وقيل: هذا من تمام خطاب موسى، والآيات هي التسع التي أعطيها والمتكبرون هم فرعون وقومه صرف الله قلوبهم عن الاعتبار بها بما انهمكوا فيه من لذّات الدنيا وأخذ الزمخشري بعض أقوال المفسرين فقال: {سأصرف عن آياتي} بالطبع على قلوب المتكبّرين وخذلانهم فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها غفلة وانهماكًا فيما يشغلهم عنها من شهواتهم وفيه إنذار المخاطبين من عاقبة والذين يصرفون عن الآيات لتكبّرهم وكفرهم بها لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم انتهى، و{الذين يتكبرون} عن الإيمان قال ابن عطيّة: هم الكفرة والمعنى في هذه الآية سأجعل الصّرف عن الآيات عقوبة المتكبّرين على تكبّرهم انتهى، وقيل هم الذين يحتقرون الناس ويرون لهم الفضل عليهم، وفي الحديث الصحيح إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس ويتعلق بغير الحق بيتكبرون أي بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم وقد يكون التكبّر بالحقّ كتكبّر المحقّ على المبطل لقوله تعالى: {أعزة على الكافرين} ويجوز أن يكون في موض الحال فيتعلق بمحذوف أي ملتبسين بغير الحقّ والمعنى غير مستحقّين لأنّ التكبر بالحق لله وحده لأنه هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد.
{وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها} وصفهم هذا الوصف الذّميم وهو التكبّر عن الإيمان حتى لو عرضت عليهم كل آية لم يروها آية فيؤمنوا بها وهذا ختم منه تعالى على الطائفة التي قدر أن لا يؤمنوا.
وقرأ مالك بن دينار: وإن {يروا} بضم الياء.
{وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلًا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلًا}.
أُراهم الله السبيلين فرأوهما فآثروا الغيّ على الرشد كقوله: {فاستحبوا العمى على الهدى} وقرأ الأخوان {الرشد} وباقي السبعة {الرّشد}، وعن ابن عامر في رواية اتباع الشين ضمة الراء وأبو عبد الرحمن الرّشاد وهي مصادر كالسقم والسقم والسقام، وقال أبو عمرو بن العلاء: {الرشد} الصّلاح في النظر وبفتحهما الدين، وقرأ ابن أبي عبلة لا يتخذوها ويتخذوها على تأنيث السبيل والسبيل تذكر وتؤنث، قال تعالى: {قل هذه سبيلي} ولما نفى عنهم الإيمان وهو من أفعال القلب استعار للرّشد والغي سبيلين فذكر أنهم تاركو سبيل الرشد سالكو سبيل الغي وناسب تقديم جملة الشرط المتضمنة سبيل الرشد على مقابلتها لأنها قبلها.
{وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} فذكر موجب الإيمان وهو الآيات وترتّب نقيضه عليه وأتبع ذلك بموجب الرشد وترتب نقيضه عليه ثم جاءت الجملة بعدها مصرّحة بسلوكهم سبيل الغي ومؤكدة لمفهوم الجملة الشرطية قبلها لأنه يلزم من ترك سبيل الرّشد سلوك سبيل الغي لأنهما إما هدى أو ضلال فهما نقيضان إذا انتفى أحدهما ثبت الآخر.
{ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا غافلين} أي ذلك الصرف عن الآيات هو سبب تكذيبهم بها وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالتها والمعنى أنهم استمرّ كذبهم وصار لهم ذلك ديدنًا حتى صارت تلك الآيات لا تخطر لهم ببال فحصلت الغفلة عنها والنسيان لها حتى كانوا لا يذكرونها ولا شيئًا منها والظاهر أنّ الصرف سببه التكذيب والغفلة ممن جميعهم ويُحتمل أن الصرف سببه التكذيب ويكون قوله: {وكانوا عنها غافلين} استئناف إخبار منه تعالى عنهم أي من شأنهم أنهم كانوا غافلين عن الأيات وتدبرها فأورثتهم الغفلة التكذيب بها والظاهر أن ذلك مبتدأ وخبره بأنهم أي ذلك الصرف كائن بأنهم كذبوا وجوّزوا أن يكون منصوبًا فقدّره ابن عطية فعلنا ذلك، وقدّره الزمخشري صرفهم الله ذلك الصّرف بعينه وفي قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكّبرون في الأرض بغير الحقّ} إشعار بأنّ الصرف سببه هذا التكبّر وفي قوله: {ذلك بأنهم كذبوا} إعلام بأن ذلك الصّرف سببه التكذيب والجمع بينهما أن التكبر سبب أول نشأ عنه التكذيب فنسبه الصّرف إلى السبب الأول وإلى ما تسبب عنه. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض}.
استئنافٌ مَسوقٌ لتحذيرهم عن التكبر الموجبِ لعدم التفكرِ في الآيات التي هي ما كتب في ألواح التوراةِ من المواعظ والأحكامِ أو ما يعمُّها وغيرَها من الآيات التكوينيةِ التي من جملتها ما وعد إراءَته من الفاسقين ومعنى صرفِهم عنها الطبعُ على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لإصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر كقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} وتقديمُ الجارِّ والمجرور على المفعول الصريحِ لإظهار الاعتناءِ بالمقدم والتشويقِ إلى المؤخر مع أن في المؤخَّرِ نوعَ طُولٍ يُخِل تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظمِ الجليلِ أي سأطبع على قلوب الذين يعدّون أنفسَهم كُبراءَ ويرَوْن لهم على الخلق مزِيةً وفضلًا فلا ينتفعون بآياتي التنزيليةِ والتكوينيةِ ولا يغتنمون مغانمَ آثارِها، فلا تسلُكوا مسلكَهم فتكونوا أمثالَهم، وقي: المعنى سأصرِفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعونُ في إبطال ما رآه من الآيات فأبى الله تعالى إلا إحقاقَ الحقِّ وإزهاقَ الباطل، وعلى هذا فالأنسبُ أن يُرادَ بدار الفاسقين أرضُ الجبابرةِ والعمالقةِ المشهورين بالفسق والتكبر في الأرض وبإراءتها للمخاطَبين إدخالُهم الشامَ وإسكانُهم في مساكنهم ومنازلِهم حسبما نطَق به قولُه تعالى: {العالمين يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ويكون قولُه تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي} الخ، جوابًا عن سؤال مقدر ناشيء من الوعد بإدخال الشامِ على أن المرادَ بالآيات ما تُلي آنفًا ونظائرُه، وبصرفهم عنها إزالتُهم عن مَقام معارضتِها وممانعتِها لوقوع أخبارِها وظهور أحكامِها وآثارِها بإهلاكهم على يد موسى عليه الصلاة والسلام حين سار بعد التّيهِ بمن بقيَ من بني إسرائيلَ أو بذرياتهم على اختلاف الروايتين إلى أريحا ويوشعُ بنُ نونٍ في مقدمته ففتحها واستقر بنو إسرائيلَ بالشام وملكوا مشارقَها ومغاربَها كأنه قيل: كيف يرون دارهم وهم فيها؟ فقيل: سأُهلِكُهم، وإنما عدل إلى الصَرْف ليزدادوا ثقةً بالآيات واطمئنانًا بها وقوله تعالى: {بِغَيْرِ الحق} إما صلةٌ للتكبر أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينُهم الباطلُ وظلمُهم المُفْرِطُ أو متعلق بمحذوف هو حالٌ من فاعله أي يتكبرون ملتبسين بغير الحق وقوله تعالى: {وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها} عطفٌ على يتكبرون داخلٌ معه في حُكم الصلةِ والمرادُ بالآية إما المنزلةُ فالمرادُ برؤيتها مشاهدتُها بسماعها أو ما يعمُّها من المعجزات فالمرادُ برؤيتها مطلقُ المشاهَدةِ المنتظمةِ للسماع والإبصار، أي وإن يشاهِدوا كلَّ آيةٍ من الآيات لا يؤمنوا بها على عموم النفي لا على نفي العُموم أي كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائِهم إياها كما هي وهذا كما ترى يؤيد كونَ الصرفِ بمعنى الطبع وقوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} عطفٌ على ما قبله داخلٌ في حكمه أي لا يتوجهون إلى الحق ولا يسلُكون سبيله أصلًا لاستيلاء الشيطنةِ عليهم ومطبوعيّتِهم على الانحراف والزيغ، وقرئ بفتحتين وقرئ {الرشادِ} وثلاثتُها لغات كالسُّقْم والسقام {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغى يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} أي يختارونه لأنفسهم مسلَكًا مستمرًا لا يكادون يعدِلون عنه لموافقته لأهوائهم الباطلةِ وإفضائه بهم إلى شهواتهم {ذلك} إشارةٌ إلى ما ذكر من تكبُّرهم وعدمِ إيمانهم بشيء من الآيات وإعراضِهم عن سبيل الرشدِ وإقبالِهم التامّ إلى سبيل الغيِّ، وهو مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى: {بِأَنَّهُمْ} أي حاصلٌ بسبب أنهم {كَذَّبُواْ بآياتنا} الدالةِ على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية أضدادِها {وَكَانُواْ عَنْهَا غافلين} لا يتفكرون فيها وإلا لما فعلوا ما فعلوا من الأباطيل، ويجوز أن يكون إشارةً إلى ما ذُكر من الصرف ولا يمنعُه الإشعارُ بعلّية ما في حيز الصلةِ كيف لا وقد مر أن ذلك في قوله تعالى: {ذلك بِمَا عَصَواْ} الآية، يجوزُ أن يكون إشارةً إلى ضرب الذلةِ والمسكنةِ والبَوْءِ بالغضب العظيمِ مع كون ذلك معللًا بالكفر بآيات الله صريحًا، وقيل: محلُّ اسمِ الإشارةِ النصبُ على المصدر، أي سأصرفهم ذلك الصَّرْفَ بسبب تكذيبِهم بآياتنا وغفلتِهم عنها. اهـ.

.قال الألوسي:

{سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض}.
استئناف مسوق على ما قال شيخ الإسلام لتحذيرهم عن التكبر الموجب لعدم التفكر في الآيات التي كتبت في ألواح التوراة المتضمنة للمواعظ والأحكام أو ما يعمها وغيرها من الآيات التكوينية التي من جملتها ما وعدوا إراءته من دار الفاسقين، ومعنى صرفهم عنها منعهم بالطبع على قلوبهم فلا يكادون يتفكرون فها ولا يعتبرون بها لإصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر كقوله سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] أي سأطبع على قلوب الذين يعدون أنفسهم كبراء ويرون أن لهم ارتفاعًا ف العالم السفلي ومزية على الخلق فلا ينتفعون بآياتي ولا يغتنمون مغانم آثارها فلا تسلكوا مسلكهم فتكونوا أمثالهم، وقيل: هو جواب سؤال مقدر ناشيء من الوعد بإدخال أرض الجبابرة والعمالقة على أن المراد بالآيات ما تلي آنفًا ونظائره وبالصرف عنها إزالة المتكبرين عن مقام معارضتها وممانعتها لوقوع أخبارها وظهور أحكامها وآثارها بإهلاكهم على يد موسى أو يوشع عليهما السلام، كأنه قيل: كيف ترى دارهم وهم فيها؟ فقيل لهم: سأهلكهم، وإنما عدل إلى الصرف ليزدادوا ثقة بالآيات واطمئنانًا بها؛ وعلى هذين القولين يكون الكلام مع موسى عليه السلام، والآية متعلقة إما بقوله سبحانه: {سأوريكم} [الأعراف: 145] وإما بما تقدمه على الوجه الذي أشير إليه آنفًا، وجوز الطيبي كونها متصلة بقوله تعالى: {وَأَمَرُّ} [الأعراف: 145] إلخ على معنى الأمر كذلك؛ وأما الإرادة فإني سأصرف عن الأخذ بآياتي أهل الطبع والشقاوة، وقيل: الكلام مع كافري مكة والآية متصلة بقوله عز شأنه: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} [الأعراف: 100] الآية، وإيراد قصة موسى عليه السلام وفرعون للاعتبار أي سأصرف المتكبرين عن إبطال الآيات وإن اجتهدوا كما فعل فرعون فعاد عليه فعله بعكس ما أراد، وقيل: إن الآية على تقدير كون الكلام مع قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتراض في خلاف ما سيق للاعتبار ومن حق من ساق قصة له أن ينبه على مكانه كلما وجد فرصة التمكن منه، وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع أن في المؤخر نوع طول يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الجليل، واحتج بالآية بعض أصحابنا على أن الله تعالى قد يمنع عن الإيمان ويصد عنه وهو ظاهر على تقرير أن يراد بالصرف المنع عن الإيمان وليس بمتعين كما علمت، وقد خاض المعتزلة في تأويلها فأولوها بوجوه ذكرها الطبرسي {بِغَيْرِ الحق} إما صلة للتكبر على معنى يتكبرون ويتعززون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط أو متعلق بمحذوف هو حال من فاعله أي يتكبرون ملتبسين بغير الحق ومآله يتكبرون غير محقين لأن التكبر بحق ليس إلا لله تعالى كما في الحديث القدسي الذي أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار».
وقيل: المراد أنهم يتكبرون على من لا يتكبر كالأنباء عليهم السلام لأنه الذي يكون بغير حق، وأما التكبر على المتكبر فهو بحق لما في الأثر التكبر على المتكبر صدقة، وأنت تعلم أن هذا صورة تكبر لا تكبر حقيقة فلعل مراد هذا القائل: إن التقييد بما ذكر لإظهار أنهم يتكبرون حقيقة.
{وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا} عطف على يتكبرون داخل معه في حكم الصلة، والمراد بالآية إما المنزلة فالمراد برؤيتها مشاهدتها والإحساس بها بسماعها أو ما يعمها وغيرها من المعجزات، فالمراد برؤيتها مطلق المشاهدة المنتظمة للسماع والإبصار، وفسر بعضهم الآيات فيما تقدم بالمنصوبة في الآفاق والأنفس، والآية هنا بالمنزلة أو المعجزة لئلا يتوهم الدور على ما قيل فليفهم، وجوز أن يكون عطفًا على سأصرف للتعليل على منوال قوله سبحانه: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ وسليمان عِلْمًا وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ} [النمل: 15] على رأي صاحب المفتاح، وأيًا ما كان فالمراد عموم النفي لا نفي العموم أي كفروا بكل أية آية: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد} أي طريق الهدى والسداد {لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} أي لا يتوجهون إليه ولا يسلكونه أصلًا لاستيلاء الشيطنة عليهم.
وقرأ حمزة والكسائي {الرشد} بفتحتين، وقرئ {الرشاد} وثلاثها لغات كالسقم والسقم والسقام، وفرق أبو عمرو كما قال الجبائي بين الرشد والرشد بأن الرشد بالضم الصلاح في الأمر والرشد بالفتح الاستقامة في الدين، والمشهور عدم الفرق {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغى} أي طريق الضلال {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} أي يختارونه لأنفسهم مسلكًا مستمرًا لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لأهوائهم وإفضائه بهم إلى شهواتهم {ذلك} أي المذكور من التكبر وعدم الإيمان بشيء من الآيات وإعراضهم عن سبيل الهدى وإقبالهم التام إلى سبيل الضلال حاصل {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {كَذَّبُواْ باياتنا} الدالة على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية أضدادها {وَكَانُواْ عَنْهَا غافلين} غير معتدين بها فلا يتفكرون فيها وإلا لما فعلوا ما فعلوا من الأباطيل، وجوز غير واحد أن يكون ذلك إشارة إلى الصرف، وما فيه من البحث يدفع بأدنى عناية كما لا يخفى على من مدت إليه العناية أسبابها، وأيًا ما كان فاسم الإشارة مبتدأ والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرًا عنه كما أشرنا إليه.
وقيل: محل اسم الإشارة النصب على المصدر أي سأصرفهم ذلك الصرف بسبب تكذيبهم بآياتنا وغفلتهم عنها، ولا مانع من كون العامل أصرف المقدم لأن الفاصل ليس بأجنبي. اهـ.